في ثلاثينيات القرن الماضي شكّل مجموعة من الشبان الجزائريين نواة صغيرة لكشافة إسلامية حرّة هدفها الأول هو تربية النشء وتغذيته بالمبادئ الإسلامية والقيم الوطنية ..
كانت الجزائر تحت نير الاستدمار الفرنسي .. بدأت هاته النواة تتوسع في صفوف الشعب الجزائري نتيجة انضباطها وما تحمله من أفكار التنوير ورفض لهذا الواقع المرير وكغيرها من المنظمات والتيارات كانت تحت أنظار السلطات الفرنسية التي لم ترض عن هذا الوليد الجديد فبدأت بتضيق الخناق عليها ولكن هاته الضغوطات
لم تزد شبان الكشافة الإسلامية الحرة إلا إصرارا وتشبثا برسالتها وقيمها النبيلة وفي خضم هذا الصراع ألقت السلطات الفرنسية القبض على أحد زعماء الكشافة الشباب واتهمته بالجاسوسية لصالح الألمان ..ك
ان هذا الشاب هو الشهيد محمد بوراس الذي أعدم بتاريخ 27ماي 1941 بتهمة واهية ورغم العراقيل واصل الكشفيون مهامهم الوطنية في توزيع منشورات الأحزاب الوطنية مثل منشورات حزب الشعب ومنشورات حركة أحباب البيان . كما كانوا يعقدون الاجتماعات التكوينية في بيوت المناضلين، وفي 08 ماي1945 كانت الفرصة مواتية لأن تُطلِق الكشافة صوتها وتعبر بلسان كل الأحرار عن مطالب الجزائريين وسقط الكثيرون شهداءً في ميدان الشرف،
وأوّل من أستشهد الكشاف بوزيد شعال حامل الراية الوطنية.. بعد هاته التجربة المريرة اقتنع الساسة الجزائريون ومن بينهم شباب الكشافة الإسلامية الجزائرية أن ما أخذ بالقوة لا يستردّ إلا بالقوة وجاءت تباشير نوفمبر العظيم وهب الشعب الجزائري ليعانق نسائم الحرية وكانت طلائع المجاهدين الأولى من صفوف الكشافة الإسلامية من أمثال العربي بن مهيدي وغيره من الشباب المثقف و الواعي بقضية بلده ..وبدأت مهمة نشر الوعي والالتفاف حول الثورة الوليدة وقدّم شباب الكشافة أروع الأمثال في البطولة والتضحية .. وانتهت مرحلة التحرير وجاءت مرحلة التعمير ..
كان على الكشافة أن تواصل مهامها في أهم مرحلة من عمر الجزائر ألا وهي مرحلة الاستقلال وتحديات البناء والتعمير ونجحت الجزائر برغم الصعاب أن تثبّت أقدامها وفي عهد الرئيس الراحل هواري بومدين توحدت كل التنظيمات الشبانية في منظمة واحدة هي الاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية وفي ظل هذا الغطاء الجديد واصلت الكشافة مهامها ورسالتها تجاه الوطن والمجتمع ..
وجاءت التعددية في مرحلة من أصعب المرحل السياسية للجزائر وعاد كل تنظيم إلى أصله الأول ،لكن هذا التغيير لم يثن عزم قادة الكشافة عن تأدية دورهم ورسالتهم الراقية، بل استمروا في مهامهم ونضالهم وكانت التحديات أكبر في ظل مجتمع أصبح يؤمن بالتعددية الحزبية واختلاف الرأي و تمازج الأفكار .. تغيّر المجتمع الجزائري وتغيرت الكشافة الإسلامية وأصبحت أفكارها في مستوى تطلعات هذا المجتمع الوليد التواق للبناء الديمقراطي وجزائر جديدة عصرية .. ولكن السؤال الصعب اليوم والذي يطرح نفسه بقوة هو ( ماذا ينتظر الشعب الجزائري من الكشافة اليوم؟؟)
وفي الأخير كل عام والكشافة الإسلامية الجزائرية بخير .. كل عام وقيادتها الرشيدة بخير .. المزيد من العطاء يا قلعة التحرير والتنوير.
بقلم :داود ياسين
