ليست الكشفية علما غامضا أو صعبا, فإذا ما نظرت إليها على ضوء واقعها فانك لا ترى فيها أكثر من لعبة مليئة بالحركة والحياة وان لها في الوقت ذاته قيمة تربوية كبرى, وهي ,كعمل الخير ينفع الذي يقوم به بقدر ما ينفع الذي يتلقاه
ولقد أطلقت كلمة ” الكشفية” على نوع من النظام يهدف, بألعابه, إلى إعداد الفتيان والفتيات لاكتساب تربية مدنية تكمل التربية المدرسية, فان الجنسين بحاجة إلى الإعداد الذي يتيحه لهما “الكشافون” و”المرشدات” هاتان الفئتان اللتان تعملان بوحي مبادئ واحدة وان أخلفتا في التفاصيل
وليس هذا الكتاب بمثابة موجز عن الحركة الكشفية ,بل إنني عنيت فيه بإبراز بعض الطرق التي أثبتت التجارب نفعها وصلاحها للاستعمال
ويلاحظ القارئ إنني لم أتقيد كثيرا بالتفاصيل, وذلك حرصا على أن يتناول كل قائد هذه الطرق وفقا لمزاجه وتبعا للأوضاع المحلية التي يعيش فيها
مقدمة
وسائل العمل
يبدو أن السفهاء, من الأفراد والأمم, يعملون اليوم بمبدأ “أنا فوق الجميع” متجاهلين الحقائق التي وضعتها أمام أعيننا الحرب والأزمات العالمية, إن القليل منا من كان يعلم , قبل الحرب, مدى رقة الطبقة البراقة من الطلاء الذي كانت المدينة تغطى به غرائزنا الحيوانية ففي قحة أولئك السفهاء الذين يفاخرون الناس بعلومهم العالية, وفي فساد النظام الاستبدادي, وفي انعدام الشعور الديني الذي يتجلى في تعطش الناس للمادة أو للقوة, وفي انتصار الذاتية انتصارا ساحقا … إن في كل ذلك ما يدل دلالة واضحة على فشل الدين في توجيه أعمال الإنسان وفشل التربية في مراقبتها
ويشاء حسن الحظ أن يكون لهذه الصورة الواقعية وجه أخر يتجلى فيه حب التضحية واحتمال المشاق التي تتعدى نطاق القدرة البشرية, والإقدام في مواجهة الموت للذود عن الوطن, وغير ذلك من الوسائل التي يجب أن نستعين بها لإقامة التوازن بين الخير والشر
الكشفية والتربية
لقد استطعنا أن ندرك في بلادنا مواطن الضعف في قوانا الأخلاقية والمادية والجسدية, وان نحدد الوسائل التي تمكننا من معالجة مساوئنا الوطنية بشيء من الإرادة والحزم
هل نريد, أولا نريد, أن نفيد من التجارب التي مرت بنا خلال الحرب ؟
هل تستطيع التربية والدين الوقوف في وجه الأمراض الأخلاقية المتفشية اليوم؟
هل نعمد إلى تغيير المناهج المدرسية وندخل نظما جديدة في التعليم الأخلاقي؟
هذه أسئلة تدل كلها على أن هناك أكثر من وسيلة واحدة يجب أن نأخذ بها لاقتلاع الجذور الفاسدة من المجتمع الإنساني ولبذر أغراس جديدة فيها قوة النمو الصالح الخير
وهنا تبدو ضرورة التكاتف بين السلطات الدينية, والتربوية والحاكمة للقيام بهذا العمل الإنساني الجليل الذي يجب أن يبدأ بإعادة النظر في الأوضاع القائمة وإيجاد العلاج الحاسم لها, ومن الضروري أن تتوفر في هذا العلاج عناصر الحرية الذاتية والتربية الاجتماعية التي من شأنها أن تنمي في الإنسان توقه الشديد إلى التقدم والتكامل والتطور
الكشفية
وانه لمن دواعي ارتياحنا وغبطتنا , نحن جماعة الكشافة, أن ندرك أن تجارب الحرب لم تحملنا على إدخال تعديل كبير على أهدافنا ووسائلنا, ونحن فخورون بان نجد, ليس في بريطانيا العظمى فحسب, بل في اغلب البلدان المتمدنة, مربين ومواطنين عاديين يمتدحون أعمالنا ويعترفون بان نظامنا التربوي قادر عمليا على أن يعالج بعض المساوئ التي نشكو منها, فعلينا إذن أن نشحذ عزائمنا ونضاعف نشاطنا ليصبح في مكنتنا القيام بالعمل الذي ينتظره منا العالم
الرجل الطفل
وطمعا في تشجيع الكشافين الطامحين إلى مراكز القيادة, أسارع إلى تكذيب الاعتقاد السائد بان الرجل الذي يرغب في ان يكون قائدا ممتازا يجب أن يكون عالما بكل شيء , كلا فحسب القائد أن يكون رجلا طفلا.. واعني بذلك أن عليه:
أن يتطبع بروح الطفل وان يضع نفسه في مستوى الفتيان الذين يعني بأمرهم
أن يلم بنفسه الأعمار المختلفة التي تمر بها حياة الفتى
أن يهتم بكل واحد من فتيانه على حدة أكثر من اهتمامه بهم كمجموع
أن ينمي في الكشافين روح القوة إذا أرادهم على تحقيق أفضل النتائج
هذه هي المبادئ الرئيسية التي ترتكز عليها تربية الكشافين والمرشدات
وإذا أردنا أن نتناول هذه المبادئ بالتفصيل نقول انه من الخطأ أن يظهر القائد بمظهر معلم المدرسة أو ضابط الفصيل أو بمظهر الكاهن أو المرشد, إن كل ما يطلب منه هو أن يجد لذة في الحياة التي تعتمد على الهواء الطلق, وان يشعر بمشاعر فتيانه , ويستطيع إيجاد الأشخاص الذين يقدرون على تعليم الفتيان الكشافين مبادئ الملاكمة أو المصارعة أو التاريخ أو المكانيك
يجب أن تكون له صفة الأخ الكبير ,وان ينظر الى الاشياء بمنظار كشافيه, وان يوجههم ويقودهم ويحفزهم إلى السير في الوجهة الحسنة القويمة , ذلك أن الكشفية إخوة كريمة تتميز بالبشاشة والمرح وتساعد على مقاومة النزعات الفردية في الإنسان
وفيما يتعلق بالمبدأ الثاني, فقد أوضحته في كتب:”الجراميذ” و” الكشفية للفتيان” و”طريق النجاح” التي تساير مختلف المراحل في حياة المراهقين
وأما المبدأ الثالث فهو يحتم على القائد, كما قلت أنفا, أن يكتشف كل واحد من كشافيه ويساعده على الإفصاح عن رغباته ميوله كلها, وان يحاول بعد ذلك تنمية الميول الخيرة فيه, وقتل الميول العابثة, وعلى القائد أن يعلم أن ثمة خمسة بالمائة من الخير في أكثر النفوس نزوعا إلى الشر, وان من شأن اللعب أن يفسح المجال أمام القائد لاكتشاف كل من فتيانه ومساعدته على بلورة شخصيته وتقويتها
وفي هذا يكمن الفرق بين التربية والتعليم , هذا الفرق الذي أبرزته بجلاء في الكتب الخاصة بالكشافين والمرشدات
وأخيرا, إن التربية الكشفية ذات طابع جماعي يميزها به نظام الطلائع والفرق, وهذا الطابع يتيح للفتى أن يضع جميع ما تعلمه موضع التجربة والاختبار
إن نظام الطلائع وطرقه وفعاليته قد وصفت كلها في الكتب الكشفية بأنها مفتاح النجاح, وعلى هذا الأساس يجب أن يكون نظام الطلائع موضع دراسة عميقة
الدين
إن من يقرأ كتاب ” الكشفية للفتيان” قراءة سطحية قد يأسف لاحتلال الناحية الدينية فيه مكانا ضئيلا,ولكن من يحاول أن يطبق ما جاء في ذلك الكتاب, لا يلبث أن يتأكد من الأهمية التي عولجت بها الناحية الدينية , ومن أن الدين هو الأساس الذي وضع عليه الكتاب ,ولكن هذا الدين لا يتعلق بكنيسة معينة أو بمذهب ما, بل هو روح سامية تتمكن من نفس الفتى وتغمره بمسيحية تصلح للحياة ولجميع أيام السنة, وليس لأيام الآحاد فقط
قال احد المؤلفين مرة عن الكشفية: كيف لا نستعين الكنائس بهذه القوة الروحية؟”
ويمكننا أن نجيب هذا المؤلف بان الكنائس قد أخذت ألان تستعين بهذه القوة
الكشفية ليست هذا
دلت التجارب, عند نشر الحركة الكشفية, على أن ثمة مزالق خطرة يجب الحذر من الوقوع فيها .. فكما أن الإنسان يمكن أن يفشل في التجارة, أو أن يضيع في الطريق التي لا منفذ لها, فكذلك الكشفية قد لا تؤدي , إذا ما فهمت على غير حقيقتها , إلى الغاية المرجوة منها, لهذا أود هنا أن أسجل أن الكشفية :
ليست عملا خيريا تقوم به جماعة من الناس لمساعدة الأطفال الفقراء
وليست مدرسة لها نظام دراسي خاص ومناهج تعليمية موضوعة
وليست فصيلا من الضباط والجنود المكلفين بتمرين الفتيان على متطلبات الرجولة
وليست وكالة للسعادة الصغار الذين يؤمنون راحة الجمهور
وليست معرضا لما يحوزه الفتيان من أوسمة الاستحقاق والمداليات ..
كل هذا طلاء خارجي , أما التربية الكشفية فإنها تأتي من الداخل
الكشفية هي ..
لعبة يستطيع بواسطتها الكبار من الفتيان والفتيات أن يهيؤا لإخوانهم وأخواتهم الصغار وسطا صحيا ممتازا يدربونهم فيه على ممارسة الألعاب المفيدة التي تبلور واقعهم المدني
وهذه الألعاب مستمدة كلها من الطبيعة ومن الحياة في الهواء الطلق ,والكشفية تعني بالفرد, وليس بالمجموع, وتكسبه المزايا الفكرية والجسدية والأخلاقية, وهي غايات هدفت إليها الكشفية منذ نشأتها, ونحن نعلم ألان أن هذه الغايات تتحقق عندما يحسن استعمال حركتنا المباركة