الرئيسية 8 الموسوعة الكشفية 8 التربية الكشفية 8 فلسفة وتاريخ التربية الكشفية ودورها في التنمية الشاملة للنشء والمجتمع

فلسفة وتاريخ التربية الكشفية ودورها في التنمية الشاملة للنشء والمجتمع

إن مؤسسات وحركات الشباب تعد إحدى مؤسسات التعليم غير النظامي، وتتضمن برامجها وأنشطتها كثيرا من الأنشطة التربوية التي تسهم في تربية الشباب والمجتمع وتطويره، وتكمن أهمية الدراسة الحالية في أنها تتناول قضية هامة وأساسية وهي قضية التنمية باعتبارها الشغل الشاغل لكل دول العالم المتقدم والنامي على حد سواء.

 ونشرت مجلة العلوم التربوية العراقية فى عددها الأول 2017، دراسة بعنوان (فلسفة وتاريخ التربية الكشفية ودورها في التنمية الشاملة للنشء والمجتمع)، لكل من: د. رائد إبراهيم الطائي، د. محمد رمضان نجم، د. جوان زرار فتح، الأساتذة بكلية التربية البدنية بجامعة الموصل، بهدف التعرف على دورها ومدى ما تحدثه تلك الفلسفة التربوية الكشفية وتاريخها المرتبط بها في النشء الصالح ومدى إحداث ثورة أخلاقية نظامية يقدمها لمجتمعه.

والتربية بمعناها العام تشمل جميع الأنشطة والممارسات التي يقوم بها المجتمع لتنمية الأفراد والمتعلقة بالتعليم والإعداد والتدريب سواء تم ذلك داخل المدرسة (التعليم النظامي) أم خارجها (التعليم غير النظامي) وسواء قامت بتلك الأنشطة مؤسسات حكومية أو منظمات جماهيرية أو مهنية.

إن برامج التربية التي يتلقاها الأفراد تسهم بدور فعال في إعدادهم لمواجهة مشكلات الحياة الاجتماعية وإن مؤسسات وحركات الشباب ومنها (التربية الكشفية) تعد إحدى مؤسسات التعليم غير النظامي، حيث تتضمن برامجها وأنشطتها كثيرا من الأنشطة التربوية التي تسهم في تربية الشباب وتنمية المجتمع وتطويره.

 

مدخل إلى فلسفة التربية الكشفية

اهتمت المجتمعات الإنسانية بالحركة الكشفية بوصفها أداة للتنشئة وبناء الأجيال بشكل ينعكس إيجابيًا على تطور المجتمع حضاريًا واجتماعيًا وعلميًا وثقافيًا مما يجعله متواصلًا مع التقدم العلمي التكنولوجي الذي اتسع وامتد بشكل متنامٍ في الحياة، وتوظيف ذلك بما يخدم الإنسان ويحل مشاكله، وبما أن فلسفة التربية الكشفية تنبع من أصل التعريف المتعلق بالحركة الكشفية وهي (حركة تربوية طوعية غير سياسية موجهة للفتية والشباب، مفتوحة للجميع دون تمييز في الأصل أو الجنس أو العقيدة)، وفقًا للهدف والمبادئ والطريقة التي عبر عنها مؤسس الحركة الكشفية.

 كلمة (حركة) تعني مجموعة من الأنشطة المنظمة تؤدي إلى تحقيق هدف معين، وكلمة (تربوية) تعني أنها نشاط تربوي منظم غير رسمي موجه أساسا للجميع، وكلمة (طوعية) تؤكد حقيقة انضمام الأفراد إليها بإرادتهم الشخصية وتقبلهم لمبادئ الحركة بمحض إرادتهم، وعبارة (غير سياسية) تعني أنها لا تتدخل في الصراعات السياسية أو الحزبية وأنها غير منضمة إلي حزب أو تنظيم سياسي؛ إلا أنها لا تنعزل عن السياسة فالكشفية تهدف بالمقام الأول إلى تنمية المسؤولية الوطنية ولا يتأتى ذلك دون وعي بالواقع السياسي، وعبارة (موجهة للفتية والشباب دون تمييز ومفتوحة للجميع) أي من حق كل فتى وشاب الانضمام للحركة الكشفية.

إن هدف الحركة الكشفية تنبع من فلسفتها في المساهمة في تنمية الشباب للاستفادة من قدراتهم البدنية والعقلية والاجتماعية والروحية كمواطنين صالحين مسؤولين وكأعضاء في مجتمعاتهم، وترتبط تلك الفلسفة بالمبادئ الأساسية للحركة الكشفية والتي هي القوانين والمعتقدات التي يجب مراعاتها لتحقيق الهدف.

حيث تنظم الحركة الكشفية على ثلاثة مبادئ، وهي:

  • الواجب نحو الأهل: وهو التمسك بمبادئ العقيدة والعمل بإرشاداتها والحرص على الشعائر الدينية والالتزام بما تدعو إليه من قيم وفضائل، وأن المدخل التربوي للحركة الكشفية يتمثل في مساعدة الشباب كي يسموا بأنفسهم عن ماديات العالم ويجتهدوا في البحث عن القيم الروحية.
  • الواجب نحو الآخرين: وهو ولاء الفرد لوطنه وحبه للآخرين مع الإخاء العالمي مع الدعوة إلى السلام محليا ووطنيا وعالميا والمشاركة في خدمة المجتمع وتنميته مع الاعتراف بحقوق الآخرين واحترامها.
  • الواجب نحو الذات: بمعنى تنمية القدرات الشخصية واحترام الذات والثقة بالنفس، حيث لم يكتفِ مؤسس الحركة الكشفية بالوعد الذي يقطعه كل مشارك على نفسه حتى يحمي المبادئ الأساسية للحركة؛ كما يوجه البرامج والأنشطة المنظمة والمتنوعة والمناسبة لتنمية الفتية والشباب على وفق هذه المبادئ، وبناء عليه فإن الوعد والقانون يمثلان الإطار العام الذي يصون الحركة الكشفية.

 

الأصول الفلسفية للتربية الكشفية

تعتمد الحركة الكشفية على الأصول الثقافية والفلسفية عربية المصدر، حيث كان الإنسان العربي يربي أبناءه على الحياة الجادة التي تتميز بالبساطة والسهولة من خلال الاعتماد على النفس، والاستخفاف بالمخاطر والصعاب التي تحيط به في الطبيعية والخلاء عن طريق التجربة والاستكشاف، واضعًا نصب عينيه التمسك بصفات الشجاعة والمروءة ومساعدة الضعيف وإكرام الضيف والاحترام والاعتزاز بالعشيرة والوطن والتضحية من أجله، ومدّ يد العون للمحتاج وانتقلت هذه التقاليد وأساليب الحياة ومجموعة القيم والمثل من المنطقة العربية إلى مناطق إفريقيا وآسيا وكانت أحد الأصول التي اكتسب منها (بادن بأول) خبرته ووجهت فكره إلى الكثير من الأسس الكشفية.

ويؤكد أحمد الشرباصي بأن العرب من أسبق الشعوب في العناية بأبنائهم وتنشئتهم التنشئة السليمة حيث يقول: منذ فجر التاريخ كان العربي في أغلب حياته يحيا حياة كشفية فهو يقيم بين الجبال ويسعى فوق رمال الصحراء ويتتبع منابع المياه ومنابت الكأل وينظر للنجوم والكواكب ويلاحظها ويدرسها، ويساير تحركات الشمس والقمر ويعرف العلاقات بينهما، ويحس بظواهر الطبيعة؛ كحركات الرياح والأمطار وينتبه إلى ما حوله من حيوانات وطيور ونباتات ويدرس طبائعها ويتفهم طبيعة الأرض وأماكن الكهوف والمغارات؛ وهو ينصب خيمته بنفسه ويجمع طعامه بيديه، وإذا ما جاء داعي الرحيل والانتقال طوى خيمته وجمع متاعه وجاب الصحراء على قدميه أو راكبًا ناقته وما يزال يعلو ربوة ويهبط واديًا حتى يستقر ويعود إلى تكوين حياته من جديد.

 

بعض الصعوبات التي واجهت نمو الحركة الكشفية

نمت الحركة الكشفية وانتشرت سريعًا في عدة دول بعد تأسيسها عام 1907م وأصبحت هذه ولا تزال حتى الآن واحدة من أكثر الحركات الشبابية التطوعية انتشارا ونجاحًا في العالم.

وعلى الرغم من هذا النجاح الكبير فقد أدى النمو التلقائي للحركة الكشفية وتطورها مع المجتمع بشكل حتمي إلى أن تنشأ في بعض الدول أوضاعا من شأنها أن تحد بصورة كبيرة من قدرة الحركة الكشفية على تنمية الأفراد والإسهام في عملية النهوض بالمجتمعات ويمكن وصف هذه الأوضاع عمومًا على النحو التالي:

  • أصبح العامة والكثيرون من قادة الحركة الكشفية ينظرون إلى الحركة الكشفية على أنها وسيلة للتسلية، وقد أدى الفهم الخاطئ للكشفية وأسلوبها إلى أن أصبحت السمات المظهرية للكشفية مثل الزي والشارات والتخييم والعروض وغيرها هي الكشافة الحقيقية، وغالبًا ما تنقل هذه السمات المظهرية من دولة إلى أخرى دون تفهم لأهدافها التربوية كما يتم نقلها إلى بيئات تختلف في احتياجاتها اختلافًا جذريًا، ولذلك يصبح من المتعذر تحت هذا الظرف وضع وتطويع برنامج كشفي مبني على الاحتياجات المحلية.

 

وبناء على هذا الفهم المحدود لحركة الكشف بدت الجهود المبذولة لكي تطرق الحركة جوانب معينة في المجتمع مثل (مساعدة المحتاجين والمحرومين..) وكذلك بعض المشاكل مثل (المخدرات والتصحر) بدت هذه الجهود وكأنها نشاط تكميلي أو متواز مع البرنامج العادي وليست جزءا أساسيًا منه.

وغالبًا ما نجحت مشروعات التنمية التي تم تنفيذها في بعض الجمعيات الكشفية بدرجة ملحوظة، وإن كان من الممكن تحقيق قدر أكبر من الفوائد التربوية للفتية والشباب لو كانت الطريقة الكشفية شاركت في تصميم وتنفيذ هذه المشروعات وهذا ما لا يحدث غالبًا.

 

تنمية المجتمع

هي عملية تغيير تربوي تقوم على العمل الجماعي وتأخذ طريقها داخل المجتمع وتؤدي إلى تحسين مستوى المعيشة حيث الأفراد أنفسهم هم المستهدفون من هذه العملية. إن ما يميز تنمية المجتمع عن غيره من الاتجاهات هو تلك الخطوات التي يقوم بها الأشخاص أنفسهم مستخدمين موارد مجتمعهم ابتداء من التعرف على الاحتياجات وحتى مرحلة التقييم النهائي بمعنى أنها هدف لعملية مثمرة يشترك فيها كل من الفرد والجماعة والمجتمع من أجل التغيير؛ للوصول إلى مستوى أفضل، لذلك نجد عملية التنمية تتحول إلى عملية ديناميكية ومستمرة وبالاستفادة من النجاح والفشل تؤدي المشروعات الصغيرة إلى تفهم أعمق وتخطيط وكفاءة ونجاح أكثر فعالية مع زيادة الاعتماد على النفس.

 

وتعد الحركة الكشفية عملًا تربويًا يهدف إلى الانتقال بالفتية والشباب من مرحلة التواكل إلى مرحلة الاعتماد على النفس، ومن هذا المنطلق توجد عوامل مشتركة مع تنمية المجتمع ويمكن إذا أحسن استخدامها أن تصبح أداة فعالة جدا لتحقيق الهدف التربوي من الحركة الكشفية وتوجد علاقة بين هاتين العمليتين رغم أنهما غير متماثلتين؛ فكلًا من الحركة الكشفية وتنمية المجتمع تقوم أساسًا على مفهوم التربية والتعليم داخليًا وكل من الفرد والمجتمع يلعب الدور الأكبر في بناء نفسه وتنمية قدراته الخاصة.

 

  • إن التعلم بالممارسة هو أحد المبادئ الأساسية للحركة الكشفية وهو أيضًا الأسلوب المستخدم في تنمية المجتمع، ويعمل المجتمع على تنمية (معارفه، مهاراته، اتجاهاته) عن طريق الخطوات النشطة والواعية التي يتخذها لحل مشاكله الخاصة، والعمل الجماعي في الطلائع والفرق الكشفية هو أيضًا أحد خصائص تنمية المجتمع إذ يشترك المجتمع في صياغة القرارت وتوزيع المسؤوليات والمهام على المجموعات الصغيرة في المجتمع.

 

هذا التشابه بين الأهداف والطرق لكل من الحركة الكشفية وتنمية المجتمع– وكون الكشافين يشكلون بالفعل مجموعة منظمة من المتطوعين– يضع الحركة الكشفية في وضع متميز يمكنها من أن تلعب دورًا له قيمته في عملية تنمية المجتمع، ويرتبط أسلوب الحركة الكشفية بالمجتمع على هذا النحو:

  •  أن الأهداف الأساسية التي تسعى الحركة الكشفية لتحقيقها كمساعدة الشباب على الحياة والنمو لتحقيق مزيد من الاستقلالية والتعاون والمسؤولية والالتزام كأفراد لا غنى عنها في تنمية المجتمع على المدى الطويل، وأن الارتباط بالمجتمع يكون من خلال سعي الحركة الكشفية إلى مساعدة الشباب على إدراك أنهم جزء من كل، أي جزء من العالم الذي يعيش فيه ويكون ذلك من خلال تنمية العلاقات البناءة مع الآخرين على أساس الاحترام المتبادل.
  • تزويد الشباب بخــبرة المجتمع الصغير وذلك في إطار حــياة حرة آمنة منضبطة.
  • تقوية الشعور بالانتماء لدى الشباب وذلك تجاه وحدتهم الكشفية ومن ثم مجتمعهم المحلي والقومي والدولي.
  • إتاحة الفرص المختلفة للشباب للتفاعل والمساهمة البناءة مع العالم من حيث إنهم جزء منه (المجتمع المحلي والميادين العامة الخدمية وتنمية المجتمع).

 

تقوم التربية الكشفية بتقديم ميادين الخدمة العامة من خلال أنواع وتصنيفات تلك الميادين لتعمل على إحداث تنمية شاملة للمجتمع وهذه المجالات الخدمية العامة أمام الكشاف والجوال فسيحة ومتعددة يمكن أن نتحدث عن خمس ميادين هامة منها:

  1. الميدان الصحي:

 تضع كل فرقة برنامجا زمنيا واضحا محددا لخدمة البيئة في النواحي الصحية وتعمل على تنفيذه ومن أمثلة ذلك: مكافحة الذباب والبعوض، إزالة أكوام السماد، نظافة الشوارع، ردم البرك والمستنقعات، تعفير و رَشّ المنازل بالمبيدات الحشرية، إنشاء مركز للإسعافات الأولية، نشر الوعي الصحي عن طريق الأناشيد والتمثيليات والمعارض، القيام بالإسعافات الأولية في المدرسة، معاونة طبيب المدرسة في التسجيل.

 

       2. الميدان الاجتماعي:

  • تبصير الأهالي بخدمات المؤسسات الاجتماعية والهيئات القائمة في البيئة مثل: المدرسة– المجموعة الصحية– مركز الإرشاد الزراعي– المركز الاجتماعي.. الخ.
  • تبصير الأهالي بأضرار الخرافات الاجتماعية والتقاليد الفاسدة لتخليص المجتمع من هذه الآفات: مثل الأخذ بالثأر– استخدام التمائم… الخ.
  • المعاونة في مكافحة الإدمان على الخمر والسجائر، وإيضاح مساوئها الصحية والاقتصادية والاجتماعية.
  • الإسهام في إنشاء أماكن مناسبة للترويح كالأندية والملاعب والمعسكرات وما إلى ذلك.
  • زيارة المستشفيات والملاجئ لتخفيف آلام المرضى واليتامى والترفيه عنهم.
  • الإسهام في بعض المشروعات التعميرية مثل: تعبيد الطرق– ترميم الجسور– تشجير الطرق.
  • الإسهام في بعض الخدمات المتنوعة مثل: أسبوع المرور.

 

       3. الميدان الاقتصادي:

  • نشر الوعي التعاوني في البيئة لإشعار الأهالي بأهمية الجمعيات التعاونية والخدمات التي تؤديها لهم من حيث توفير السلع التي يحتاجون إليها بأقل الأسعار وتصريف منتجاتهم وتسويق محاصيلهم مع الانتفاع بالأرباح.
  • توجيه أهالي الحي أو القرية إلى أحسن الوسائل لاستثمار أوقات الفراغ بما يعود عليهم بالنفع فيمكن إرشادهم إلى أحسن الطرق لتربية الأنواع المحسنة من الدواجن لزيادة دخلهم.. أو عمل منتجات الألبان والشراب والمربى والخياطة وأشغال الإبرة.. وما إلى ذلك.
  • توجيه أهالي القرية لإنشاء صناعات محلية بعد دراسة إمكانيات البيئة واحتياجات الأسواق؛ كالنسيج أو المنتجات الزراعية أو الخزف أو الصناعات الزراعية إلى غير ذلك.
  • تشجيع الأهالي على المشروعات الإنتاجية لرفع مستوى المعيشة.
  • خلق أنماط جديدة ترمى إلى الاقتصاد في الاستهلاك والانتفاع بالفضلات والبقايا.

 

       4. الميدان الثقافي:

  • تنظيم المحاضرات والندوات التي تهدف إلى رفع المستوى الثقافي لأهل المنطقة.
  • تنظيم دراسات لتعليم الكبار ومكافحة الأمية.
  • المساهمة في إنشاء المكتبات التي تزود ببعض الصحف والمجلات والكتب التي تناسب البيئة وتشجيع الأهالي على ارتيادها والاستفادة منها.
  • المساهمة في إنشاء المعارض والمتاحف الإقليمية.
  • نشر الوعي السياحي.

 

       5. الميدان القومي:

  • استخدام المناسبات القومية لتنوير الأهالي بالأهداف القومية وتقوية الروح الوطنية.
  • تتبع الأحداث الجارية والاتصال بالأهالي لمدارستها معهم.
  • إحياء ذكرى الأبطال المجاهدين أمثال: صلاح الدين وعبد القادر الجزائري وعمر المختار… واتخاذ سيرهم مثالا للجهاد والكفاح والتضحية.
  • القيام بالخدمات التي تتطلبها حالات الطوارئ؛ كأعمال الدفاع المدني وأعمال الإنقاذ والحريق ودرء أخطار الفيضانات والهجرة والترحيل وأعمال حراسة المنشآت العامة.

 

التربية الكشفية وتنمية النشء

إن رسم الخطط وترتيب الأولويات في دراساتنا وأبحاثنا هي الوسيلة التي نستطيع أن نحقق بها أهدافنا وغاياتنا وفي هذا البحث الذي نحاول من خلاله تسليط جانب من الضوء على الحركة الكشفية ودورها في تربية النشء نحاول أن نجد الطريق الصحيح الذي نسلكه لأنه وبكل تأكيد لابد لأي عمل نقوم به من وسيلة نصل بها إلى تحقيق هذا العمل أو بالأحرى تحقيق الغايات المنشودة، فالغاية النهائية لأي تربية هي مساعدة الإنسان على تنمية قدراته ومواهبه لتحقيق حياة كريمة ناجحة.

إن التغيير المطلوب والمرغوب في سلوكه ومن ثم إعداده، هذا هو الهدف السامي والشريف وهو الذي يتطلبه مجتمع يسعى إلى الرقي والكمال ويصل إلى ذروة السعادة فلا بد من أن تكون الوسيلة سامية وراقية كرقي الهدف المطلوب.

وتوجد العديد من المؤسسات داخل المجتمع تقوم بالتوجيه والإرشاد ابتداء من الأسرة إلى المدرسة يتخلل بينهما المراكز الرياضية والجمعيات الشبابية والعلمية والثقافية باختلاف مسمياتها وباختلاف أساليبها في تحقيق الأهداف السامية للتربية.

كل هذا قد جعل رب الأسرة حائر في المسلك الذي يجب أن يساعد أبناءه على سلوكه والطريق الذي عليهم أن يتخذوه في سبيل تحقيق المثل والقيم العليا؛ فشخصية الأب التقليدية إلى درجة كبيرة عملت على تربية الأبناء على الإيمان واحترام الآخرين ولعل السامع يسمعه وهو يوصى أبناءه باحترام الذات والتي مصدرها احترام الغير وكأنه يقول لهم:« حب لأخيك ما تحب لنفسك»، وهو يعرف مقدار الشعور بالحرج وهو يفكر إذا ما أساء أحد أبناءه إلى أحد كم من الإحراج سيكون فيه فبالتأكيد ستظهر عليه الكآبة والأسى بل ويزدري نفسه أحيانًا من العار الذي يشعر بأنه لحق به وهو يفكر مليًا بالوضع الذي يكون عليه بين أصدقائه ومعارفه الذين عرفوا سيرته الذاتية ومقدار تعلقه بالأهداف النبيلة والأفكار الملتزمة والمتحضرة​​​​​​​

 إن مشكلة التربية التي يعانها الجميع لا يمكن أن تأخذ طريقها الصحيح والسليم إلا إذا تكاثفت الجهود وإذا كان اختيارنا صحيحا وموفقًا فكما أشرنا سابقًا إلى الأسرة والمدرسة وأنهما يمثلان دعامتين أساسيتين في عملية التربية إلا أنه لابد من اختيار دعامة ثالثة لتغطية الفجوة المتبقية وهنا يبرز دور الحركات الشبابية وفي اعتقادنا وبدون تحيز بأن الحركة الكشفية تمثل الذروة التي لا علو فوقها في أسلوبها النشط في تربية النشئ.

فمن خلال استطالعنا للتاريخ الطويل للحركة الكشفية من تأسيسها واستمرار نضالها عبر السنين نتأكد وبشكل ملحوظ مدى مصداقية هذه الحركة في توجهها ومدى الإيمان العميق في نفوس منتسبيها بما تقدمه من أفكار ومساهمات في خدمة المجتمع وبناء أجيال عظيمة من الشباب مؤمنة بأهمية أركان الحركة الكشفية التربوية والتي تهيئ الفرص أمامهم في سبيل الاكتشاف الذاتي للميول واللاستعداد لتنمية المهارات والدفع بهم نحو الأخذ بزمام المبادرة للتجديد والابتكار بل وتدفعهم إلى التفكير الناضج في الاستهلاك والادخار بما يعود بالنفع عليهم وعلى أسرهم– الجزء الصغير من مجتمعهم الكبير–.

ولعل من أهم ميزات الحركة الكشفية أنها تدعو بدعوة تعاليم السماء وتتخذ من الوسطية والاعتدال طريقها، ما يجعلها ناضجة وتعبر تعبيرًا صادقًا عن رغبات منتسبيها، تدعو بذلك لما يدعو إليه من الفضيلة والرقى بالنفس وحب الآخرين ومدّ يد العون للآخرين كما تدعوا إلى حب الوطن فتسموا كلما ارتفعت ورقت السمات النقية داخل المجتمع بل إنها تحارب الرذائل والفساد.

وتجعل من منتسبها رجلا مهما اختلفت الأعمار فيتحمل بذلك مسؤولية العهد الأزلي الذي عاهد الله عليه من إيمان وتبعية وخلافة في الأرض وتحمل الأمانة بحيث ينظم ويطوع نوازعه وهوى نفسه ورغباتها لتنسجم مع الكيان الطبيعي الذي يعيش فيه وهو المجتمع بحيث يكون حريصا على إحياء القيم والعادات والتقاليد العظيمة فينتمي بذلك إلى الجماعة مع حرصه التام على المحافظة على شخصيته المستقلة فإذا التزم التزاما بهذه المعطيات عهد الكشاف دينه وكانت شريعة الكشاف طريقه الذي يبنى شخصيته وبذلك يرقى إلى عالم السمو الخالي من الرذائل و بذلك يتم تحقيق الأهداف والغايات المطلوبة.

 

الاستنتاجات:

من خلال البحث الحالي توصل الباحثون إلى الاستنتاجات الآتية:

  • دور التربية الكشفية وفلسفتها وتاريخها كان له الأثر الإيجابي في إحداث تنمية شاملة في النشء وخلق جيل ذو سمات أخلاقية سليمة مستند على قواعد التربية الصحيحة في إعداد هذا النشء الصالح في خدمة وتنمية المجتمع تنمية شاملة.
  • لعبت فلسفة وتاريخ التربية الكشفية دورا هاما وبارزا في كل الجوانب الحياتية والتي لها علاقة بالمواطن والفرد ومن ثم مدى العلاقة المتبادلة مع المجتمع.
  • كان لدور فلسفة وتاريخ التربية الكشفية في إحداث تنمية شاملة للنشء والمجتمع دورا فعالا بين التفاعل العالمي للدول مع بعضها من خلال التواصل المستمر بين الحركات الكشفية مع بعضها البعض وهذا ما يخلق ثقافات متعددة ومتنوعة بين شعوب تلك الدول.

 

التوصيات:

  • ضرورة التأكيد على إبراز الدور الهام لفلسفة التربية الكشفية وتاريخها للنشء خصوصا بالمراحل العمرية الأولى من خلال الإعلام عن أهداف ومكونات التربية الكشفية لغرض الانتماء والرغبة في اكتساب الصفات الحميدة لذلك النشء.
  • العمل على التواصل مع المنظمات الكشفية بين الدولة الواحدة وباقي دول العالم وذلك لإحداث أثر يعتمد كقاعدة تنموية لخدمة المجتمع.
  • التأكيد على إبراز الوسائل الترويحية والترفيهية للتربية الكشفية من خلال تفاعل الفرد مع تلك الوسائل وصولا إلى إحداث مخرجات تعبوية تحقق تمنية شاملة للفرد والمجتمع.

About Author

عن ahmed

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*