العاب في الخلاء

إن وسائل تعليم الفتيان وتدريبهم على ما يعود عليهم بالخير في حياتهم المستقبلة, ويعدهم للاضطلاع بتكاليفها كثيرة , منها ما تستقبله نفوسهم استقبالا حسنا, وإذا انقطعت عنه لسبب من الأسباب افتقدته, وهفت إليه, وحنت إلى استئنافه, ومنها ما تعافه نفوسهم فلا تقبل عليه إلى مضطرة
 
والألعاب وبخاصة إذا كانت في الخلاء وطلق الهواء , أحب الوسائل التدريبية إلى الفتيان, وأثرها عندهم ,لأنها أروح لنفوسهم, وادعى لانشراح صدورهم, لاختلاف طبيعتها عن طبيعة ما يجدونه في بيوتهم ومدارسهم, وبخاصة لأبناء المدن المكتظة , لما فيها من ضوضاء ترهق الأعصاب, وتضيق بها النفوس, وذلك فوق إن الخلاء أصلح مكان للألعاب, والمسابقات, والمباريات التي لا تتسع لها أفنية المدارس, وساحات الملاعب, لأنها تقتضي السير مسافات طويلة, ويستغرق تأديتها وقتا غير قصير
 
وان من شأن هذا النوع من الألعاب أن يساعد على إبراز مواهب وصفات في الفتيان لا تساعد على إبرازها الألعاب التي تؤدي في ألاماكن الضيقة, كالأفنية, والملاعب, ومن هذه المواهب والصفات الإقدام, وصلابة العود, وقوة الاحتمال, واليقظة, والحذر , والدهاء, وحسن الحيلة
 
ولم تستخدم ألعاب الخلاء كوسيلة لتدريب الكشافين, والترويح عنهم إلا في السنوات الأخيرة,وهي تستلزم مساحات واسعة من الأرض.
 
وهي أنواع عدة, فبعضها سهل ميسور كقص الأثر, أو البحث عن الكنز,وبعضها صعب معقد, يقتضي إعدادا سابقا, وتأهبا خاصا,
 
وهي تختلف عن الألعاب الأخرى في أنها يقوم بها عدد كبير من الكشافين , وقد تشترك فيها فرق كثيرة.
 
وفي السنوات الأولى من قيام الحركة الكشفية , كان يطلق على هذه الألعاب اسم ” ألعاب الميدان”
 
ولكن نسبتها إلى كلمة ” الميدان” جعلت الناس يجدون فيها رائحة الحرب وهي بريئة منها
 
وعلى الرغم من أنها كانت حبيبة إلى نفوس الكشافين في ذلك الوقت , فان قادة الكشف, لامر ما قد اعرضوا عنها
 
ويغلب على الضن إن علة ذلك الأعراض كانت بسبب قيام الحرب العالمية الثانية(1914-1918) وما صاحبها من انتشار الجواسيس في المدن والقرى والحقول والمروج, يتنسمون الأخبار, ويجمعون المعلومات التي تفيد أوطانهم, الأمر الذي جعل رجال الشرطة والمباحث في الأقطار المشتركة في الحرب يفرضون القيود على كل عمل, ويتدخلون في كل صغيرة وكبيرة, ويزعجون السابلة بالتفتيش الدقيق, حتى يطمئنوا على أن بلدهم لم يدخله من أعدائهم جاسوس, أو مغتال أو مدمر
 
وما إن وضعت الحرب أوزارها, وأصبح الناس أحرار ينطلقون إلى حيث يشاءون, حتى عاد القادة إلى الألعاب ,لفائدتها في تدريب الكشافين, على شتى فنون الكشف, وتعويدهم الأخلاق الكريمة التي المحنا إليها, كما استقبلها الكشافون استقبالا حسنا, لأنها تستبدلهم سعة ورحابة بضيق, وهواء طلقا نقيا بهواء محبوس تشوبه الشوائب, فوق ما فيها من التجول في مروج خضراء , تحف بها الترع التي يجري فيها الماء ,والمرانة على المشي مسافات طويلة, وعلى الجري والتسلق أحيانا, وعلى التستر والتخفي , واقتفاء الآثار, وإنماء قوة الملاحظة, وعمل الخرائط وقراءتها, والاهتداء إلى الطريق في الهضاب والجبال والصحاري والحقول, التي لم تطأها قط أقدامهم.
 
ولكل لعبة من ألعاب الخلاء قواعد وقوانين, يجب أن يعرفها الكشافون الذين يشتركون فيها, وان ينفذوها, ولا يحيدوا عنها, ولا ينبغي نسيانها في نشوة ظفر, أو عندما لا يراهم احد, لان الكشاف يراقب نفسه دائما, لاعتقاده أن الله يراه.
 
على انه من السهل الميسور على فرق الكشافة في القرى القيام بألعاب الخلاء, ولكن الفرق في المدن الكبرى, يصعب عليهم القيام بها, والمعسكرات فرصتهم المواتية, فينبغي لهم انتهازها, ويحسن بالقائد أن يخصص يوما على الأقل من أيام المعسكر للعبة من ألعاب الخلاء
 
ولا ينبغي للقائد المشرف على المعسكر أن يحتج بان الأرض التي حول المعسكر غير صالحة لألعاب الخلاء, لان حجته مردودة عليه, لان ذلك يعني أن مكان المعسكر الذي اختاره ليس صالحا
 
ونصيحتنا إلى قادة الحركة الكشفية , أن يكثروا من ألعاب الخلاء ما استطاعوا, وان يعنوا بالتخطيط لها, ووضع النظم الكفيلة بتحقيق أهدافها, لما لها من اثر بارز في تربية الفتى, فهي كما سبق أن قدمنا من خير الوسائل التي تعمل على إكسابه القوة, ومنحه الصحة, وتنمية الاتجاهات الحميدة والعادات الطيبة فيه, مثل قوة التحمل , والجلد, والتعاون, والاعتماد على النفس

About Author

عن ahmed

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*