بقلم / سالم الكبتي
يتم نشر هذا المقال سنويا احياء لذكرى رحيل المؤسس علي خليفة الزايدي
.
حين عاد على خليفة الزائدى من لبنان الى وطنه ليبيا اْواخر عام 1953 ليؤسس الحركة الكشفية وفق اْسس تربوية ووطنية فى فبراير 1954. كانت انطلاقة الفرقة الاولى بقيادته بمدرسة طرابلس الثانوية مكونة من سبعة وثلاثين طالبا. وقتها كان الوطن قد بلغ عامه الثالث من الاستقلال والشباب فى فراغ والامكانيات متواضعة ولم يكن البعض ممن حارب الفكرة وسخر منها ووضع امامها العراقيل يعتقد اْن الرجل يبسم فى وجه الصعاب ويمضى ليبنى الكشفية الليبية بكل حماس ويرفع الاْحجار بتشجيع ومساندة من الدولة الفتيه.. وكذا اولياء الامور والمربين الذين عرفوا قيمة الزائدى والحركة والرسالة والفكرة. وعلى الدوام البقاء للفكرة والرسالة قبل اْى شى اْخر.
والواقع اْن ثمة محاولات شهدتها البلاد لتاْسيس الكشافة فى فترة سابقة لم يكتب لها الاستمرار من خلال كشافة جمعية عمر المختار فى بنغازى والمؤتمر فى طرابلس كما شجع اخوان المشيرقى نفس الاتجاه وفى مدرسة الزاوية الثانوية حاول اْحد المعلمين المصريين تاْسيس فرقة اْيضا. محاولات وارهاصات لم تنجح لظروف عديدة.
عام 1909 فى الخمس بالقرب من لبدة وعلى شاطىْ البحر.. الحضارة وسبتيموس سفيروس وكركلا ابنه. ولد الزائدى وتشرب الوطنية والتاريخ والاْصالة. تلك المدينة اْيضا شهدت ولادة شخصيات ليبية أخرى سيكون لها دورها الوطني والاجتماعي، وستلتقي في مرحلة موالية مع الزائدي، بطريقة ما، فى المهجر: بشير السعداوي، وبكري قدورة، وغيرهما. هما أيضاً هاجرا إلى الشام وأقاما في سوريا ليؤسس الأول مع بقية رفاقه من المهاجرين الليبيين جمعية الدفاع الطرابلسي البرقاوي، وليسهم الثاني في نهضة التعليم والتربية في سوريا ثم ليصبح رئيساً لكشافتها. وصار فى عهد الاستقلال مديرا للجامعة الليبية ثم عضوا فى مجلس الشيوخ.
كانت اْسرة الزائدى هاجرت الى لبنان عام 1914بعد ان واجه رجالها : المحتلون الطليان فى معارك الخمس وماحولها. كانت مدينته شهدت أعتى المعارك وأقواها تصدياً للإيطاليين في المرقب مطلع عام 1912، والتي شارك فيها العديد من الليبيين من مختلف المناطق، وبالطبع كان الوالد خليفة الزائدي من بين المشاركين.. كان عمر أبنه (علي) وقت الهجرة خمس سنوات، الأسرة تتكون من والدته السيدة حليمة الشويهدي وشقيقه مصطفى ثم محمد (فقد اْيام الحرب العالمية الثانية ولم يعثر له على اْثر) وابراهيم وشقيقتهم خيرية. واْقاموا فى بيروت. وكان ثمة عائلات ليبية اخرى تقيم فى مناطق اْخرى من لبنان.
علي الزائدي، خالته شقيقة والدته كانت زوجة لأحد أعلام الجهاد وكانت شهرته على إمتداد الوطن بأكمله وهو (التهامي قليصة). أحد الذين أسهموا في تكوين الجمهورية الطرابلسية عام 1919، (توفي بمهجره في مصر 1930) هذه الإضاءات الوطنية السريعة شكلت شخصية الزائدي، رجلاً وطنياً ينتمي إلى أرضه، ثم قائداً كشفياً ومتمرساً في هموم الشباب وقضاياه واحتياجاته.و لا شك أن علي الزائدي، وفقا لهذا الحال ظل على علم ومتابعة مع والده وأسرته والمهاجرين الليبيين في الشام بكل الأخبار الوطنية وأنباء الجهاد في بلاده ضد المحتلين وشاهد أيضاً القوات الفرنسية في بلاد الشام (سوريا – لبنان) وأفعالها العدوانية هناك، وعرف أن الاستعمار واحد سواء في ليبيا أو لبنان في أساليبه وغزوه واستهدافه الدين والهوية والأرض والإنسان.
ألتحق الزائدي بالدراسة وتخرج في الكلية الإسلامية في بيروت ولأنه أكبر اْخوته الأولاد سناً تولى أمر العائلة بعد وفاة والده، وأنتسب للحركة الكشفية عام 1927 وتدرج في صفوف جمعية الكشاف المسلم، وخلال هذه الفترة وهو (الشاب الليبي) لم ينقطع عن شؤون وطنه وهمومه: سيسمع عن المعتقلات الفاشية وألوان العذاب والمهانة التي يلاقيها شعبه على أيدي الطليان، وسيتواصل مع أصداء إعدام الشهيد عمر المختار، عام 1931، وغيره من المناضلين، وسيرتبط بالنشاط الوطني للجالية الليبية في بيروت ودمشق – سيعرف هنا بشير السعداوي، وعمر فائق شنيب، وفوزي النعاس، وخليفة شعبان، وعبدالغني الباجقني، ونوري السعداوي، شقيق بشير وكان مقيماً في بيروت.. وغيرهم، لا بد أنه سيتأثر بهذا النشاط ويزيده وطنية ويجعله أكثر التصاقاً بقضايا بلاده وليغرس ذلك في نفوس كشافيه عبر المخيمات والمعسكرات التدريبية وتلقين الدروس والأناشيد والأهازيج التي برع فيها وأحبها وشعر بأنها وسيلة عظيمة وفعالة في صقل الأجيال وإعدادها، وقام بتوجيه رسائل عديدة عن هذه الأنشطة إلى الجمعية في دمشق في تواصل مستمر مع مواقفها الوطنية. وسيقترب كثيرا هنا من الشيخ توفيق الهبرى رئيس جمعية الكشاف المسلم وصديق المجاهد احمد الشريف الذى حل ضيفا عليه فى بيروت عام 1924.
أعد الزائدي، كتيباً عن نشاط المهاجرين الليبيين في بلاد الشام وتركيا وأصدره في بيروت عام 1952، ونشر مقالة في مجلة (القلم الجديد) بعمان في عددها، يوليو 1953، تحدث فيها عن أدوار اْولئك المهاجرين ونشاطاتهم وإسهاماتهم الكبيرة في حركة المجتمع في تلك البلدان وكان منهم المدرسون والقضاة والفقهاء والفنانون ورجال الدرك والجيش والمالية والطلبة وسواهم من كفاءات ليبية شاركت في العمل والنهوض والتنوير، وما كان الزائدي ليكتب أو يشير إلى هذه الأدوار لو لم يكن على إلمام كامل بها، ومشاركاً فيها وشاهداً عليها وفاعلاً من خلالها ويعرف معرفة واعية وشاملة الإسهام الكبير لمواطنيه الليبيين في مجتمع الهجرة والغربة القاسية وقد كان له شخصياً الدور المهم في تطور الكشفية في لبنان، وكتب العديد مكن المؤلفات عن مناهجها ومطالبها وفنونها.
الزائدى الذى اْسهم فى لبنان فى اعلاء بنيان كشافته والكشفية العربية.. واصل العطاء بلا توقف فى وطنه. ومن نواة الفرقة الاولى انتشرت الفرق.. وصارت الحركة عنوانا للوحدة الوطنية. ازدادت التضحيات.. ومن حوله صار التلاميذ والاْبناء والبنات اْجيالا من القادة والمربين الذين يمثلون وطنهم اْروع تمثيل.. ويعطون من عرقهم ودمهم اْيضا دون انتظار ثمن. الزائدى رجل وحركة.. قائد ورسالة.. رائد لاْجيال تواصلت ولم تنقطع. الزائدى من رجال ليبيا النبلاء الذى اْعطى وضحى. وكان مثالا لصورة مشرقة للوطن فى اْزهى سنواته. الزائدى مدرسة فى الوطنية والتربية والقيادة.
تنامت الحركة الكشفية بفضل جهود الزائدي وانتشرت في جميع المدن والمناطق والواحات وارتبط بها المواطن العادي والمسئول وكل أفراد المجتمع واْسهم أعضاؤها في خدمة المجتمع بشكل راق وممتاز واصبح (كشاف ليبيا) من الهيئات ذات الشهرة العربية والدولية في وقت قصير من الأعوام، ونجح أيضاً في ضم فتيات البلاد إلى مساعيه بتأسيس حركة المرشدات. تواصلت الاجيال الكشفية ولم تتوقف. وفى جانب اْخر كان الزائدى فى مقدمة القادة العرب الذين شكلوا اْول لجنة كشفية عربية عام 1956 مع جيله: على الدندشى ومصطفى فتح الله وعلى الزواغى ومحمد على حافظ وتوفيق الهبرى وجمال خشبه وغيرهم فيما ظل كشاف ليبيا يواصل التطور والانطلاق.. المخيمات. التدريب. المنشاْت. المزارع. مجلة جيل ورسالة. العمل الخيرى التطوعى. بناء الانسان وكلها بجهود تلاميذ الزائدى.
تلك الاْعوام ظل الجميع يلاحظ الزائدي عزيمة لا تلين وحماسا متدفقا لا يتوقف، وهمة عالية لا تقهرها الصعاب، التي ظل طوال حياته يهزأ بها ويسخر منها وأعطى مثالاً حيا للتضحية على الدوام من أجل الآخرين والعمل في سبيلهم.
يوم الجمعة 18 رمضان. 30 ديسمبر 1966.. بعد معاناة مع السرطان رحل الزائدى فى مستشفى الجامعة الامريكية فى بيروت وشهدت طرابلس يوم الثلاثاء 3 يناير 1967 موكبا كبيرا لتوديعه وتشييع جنازته الى جوار الصحابى منيدر. رحل الرجل الوطنى والمثل والقدوة.. ولم ترحل فكرته وتضحياته. انه فى رحيله اْوعظ منه حيا. النزاهة ونظافة اليد والشخصية.. واْغلب الاجيال التى علمها ذلك.. ورباها على المثل والقيم التى تبقى. الزائدى واْمثاله من رجال الوطن النبلاء اْعظم مثل فى مقابل الوجوه الصفيقة للتافهين اللاهثين وراء التفاهات والامراض والصراعات الزائلة. الزائدى يبقى.. وهم سيتجاهلهم الحاضر والمستقبل والتاريخ.
الجمعة 30 ديسمبر 2016 الذكرى الخمسون لهذا الرحيل.. رحيل الزائدى الذى لم تمت فكرته ورسالته. بذرة الخير لاتموت. تعيش وتنمو فى وجه الشرور!
سالم الكبتى
الصور:
1. الحاجه حليمه الشويهدى والدة على الزائدى (توفيت ودفنت فى بيروت 1968).
2. الزائدى قائدا فى جمعية الكشاف المسلم فى بيروت.
3. 4. 5: كتاب اْعده الزائدى عام 1936 مع زميله شفيق نقاش يوثق للحركة الكشفية فى الاقطار العربية وبه رسالة من اللورد بادن باول مؤسس الحركة الكشفية فى العالم يثنى على الكتاب. كما يحمل الغلاف الداخلى للكتاب اهداء بخط الزائدى وتوقيعه.
6. 7. غلاف كتاب ليبيا فى المهجر اْعده الزائدى عام 1952 سجل فيه نشاط الليبيين واْسرهم فى لبنان. وصفحة منه.
8. 9. مقالة للزائدى عن المهاجرين الليبيين فى بلاد الشام نشرها الزائدى فى العدد الخاص عن ليبيا لمجلة القلم الجديد الصادرة فى عمان. يوليو 1953.
10. مجموعة من الفرقة الاْولى فى نشاط بقيادة الزائدى. غابة سوانى بن يادم. 1954 يبدو فيها: يوسف قنبور. على الغريانى. سعد مجبر. بشير الطرابلسى واخرين.
11. البعثة الكشفية الليبية من طرابلس وبنغازى فى المخيم الكشفى العربى الاول. الزبدانى سوريا. 1954 (نالت الترتيب الاول).
12. الزائدى اْثناء تنصيب الامير الحسن الرضا قائدا فخريا لكشاف ليبيا. مخيم القسم. جوددائم. يوليو 1964.
13. الزائدى على فراش المرض فى بيروت 1966 يبدو فى الصورة محمد المجدوب القماطى وسعد مجبر من كشاف ليبيا.
14. وصول الزائدى الى مطار طرابلس لحضور افتتاح المخيم الكشفى العربى السابع. جوددائم. اغسطس 1966.
15. جانب من جنازة الزائدى اْثناء اختراقها شوارع طرابلس. الثلاثاء 22 رمضان _ 3 يناير 1967.
16. سالم الكبتى مع شقيقة الزائدى الحاجه خيرية خليفة الزائدى فى منزلها بكورنيش المزرعة. بيروت 2013.