أول فرصة لنضوج فكرة الكشافة لدى الجزائرين وعجلت ميلاد الحركة الكشفية الجزائرية هي مناسبة احتفال الفرنسيين بالذكرى المئوية على احتلالهم الجزائر 1930 حيث أقيم بالجزائر العاصمة احتفالا ضخما بهذه المناسبة
ومع خروج 3000 كشاف فرنسي للتظاهر في أحياء العاصمة جذب هذا الاحتفال عدد هائل من الجمهور حيث قاموا بأداء مسيرة تاريخية بدأت من ساحة الشهداء الى شارع خميستي حاليا وكانت المسيرة مصحوبة بأداء أناشيد كشفية واستعراضات كشفية بمشاركة كشافة بعض الدول الاوربية المدعوة الى هذا الحفل ورفعوا شعارات كثيرة منها الجزائر فرنسية , الجزائر امتداد لأرض فرنسا , الجزائر فرنسية الى الابد
وكانت النشأة الرسمية لأول كشافة جزائرية على يد الشهيد محمد بوراس الذى أنشأ فوج الفلاح في الجزائر
العاصمة سنة 1935 وبهذا كان فوج الفلاح نقطة الانطلاق للكشافة الاسلامية الجزائرية حيث بدأت بعد فترة قليلة من تأسيس فوج الفلاح انتشار الأفواج الكشافة الجزائرية عبر أنحاء الوطن نذكر منها فوج الصباح بقسنطينة وفوج الاقبال بالبليدة وفوج المنى بعنابة وفي سنة 1936 فوج الاقبال بقسنطينة وفوج الحياة بسطيف وفوج الهلال بتيزي وزو وفوج الرجاء بباتنة وفوج الرجاء في قسنطينة وفوج المنصورة بتلمسان وفي سنة 1938 فوج ابن خلدون بمليانة وفوج النجوم بقالمة 1939 وفوج الفضيلة ببوسعادة سنة 1940
وفي سنة 1935 فكر رائد الحركة الكشفية بالجزائر الشهيد محمد بوراس في انشاء جامعة الكشافة الاسلامية الجزائرية نظير جامعات الكشافة الكاثوليكية والاسرائلية والبروتستانية في الجزائر تجمع شتات الجمعيات والافواج الكشفية المحلية توحدها وتوجهها في اتجاه وطني واحد فأعد قانونا أساسيا عرضه على السلطات الفرنسية الحاكمة للمصادقة عليه ولكنها عرقلته وعطلته لما فيه من طابع معبر عن الشخصية الوطنية الجزائرية عير ان الشهيد محمد بوراس لم ييأس وبقي يتابع الموضوع ويتحين الفرصة السانحة المواتية كلما تغير الحاكمون أو تغير نظام الحكم وفي سنة 1936 تقدم بمشروعه على الحكومة الجديدة بعد أن دخل عليها تعديلات طفيفة فحظي بالموافقة وبدأ يسعى لضم شمل الكشافين الجزائرين يجمع شتات الأفواج المحلية المتفرقة عبر الوطن في جامعة واحدة تمثلهم أطلق عليها اسم جامعة الكشافة الاسلامية الجزائرية وبرغم من الصعوبات والعراقيل التى أعترضتها من مثيلاتها الفرنسية المنافسة ومن بعض الحكام الاستعماريين وأذنابهم من المواطنيين المتواطئين معهم , شقت طريقها وسارت بخطى ثايتة نحو هدفها المنشود , وكان بناءها ومسيروها الاوائل السادة: الشهيد محمد بوراس الصادق الغول , محمد فرج , وبوبريط والطاهر التجني ومحمد القشعي وعمر الاغا والغوني شريف ومحفوظ قداش وحسن بلكريد ومختار بوعزيز وابراهيم بلعموشي …الخ
وكان أول تجمع كشفي لها سنة 1939 أيام 27 . 28 . 29 جويلية بالحراش في الجزائر العاصمة ضم نخبة من الكشافين الجزائريين من اهم الافواج الموجودة آنذاك في الوطن وختم أعماله بحفل بهيج رائع تحت الرئاسة الشرفية لابن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين …. وكان هذا المؤتمر الكشفي عقد تحت شعار الاسلام ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا
وكان من نتائج هذا المؤتمر التأسيسي لتكوين الفيدرالية حيث حضره ممثلي الافواج الكشفية عبر كل التراب الوطني وكان من نتائج هذا الكؤتمر :
التعريف بفيدرالية الكشافة الاسلامية الجزائرية
وضع قوانيين واختيار تسمية للفيدرالية
انتخاب مكتب يمثل المجلس الاداري
وضع مشاريع للنشاطات المشتركة في المستقبل
وتم اختيار محمد بوراس ليكون رئيسا للفيدرالية وعمر الأغا نائبا له وهكذ نشأت وترعرعت الكشافة الاسلامية الجزائرية من أول عهدها في أحضان الحركة الاصلاحية العامة التي تشرف عليها وتوجهها جمعية العلماء المسلمين واسم الجامعة الكشفية دال على ذلك , كما نبت معظم أفواجها وأكثر جمعياتها في أوساط وبيئات اصلاحية الى جانب النوادي والمدارس العربية الحرة بل كان أغلب فتيان الحركة الكشفية وقادتها ومسيري جمعياتها من تلاميذ هذه المدارس والنوادي أو أعضاء جمعياتها المحلية , وكان مرشدوها جميعا من معلمي تلك المدارس كما كان الاساتذة والمعلمون الجزائريون المتحررون في المدارس الفرنسية من أهم عناصرها وبناءها وبعض السياسيين كذلك كانوا لايبخلون عليها بالدعم والتأييد والمشاركة العملية وكان الكشافون يشاركون الشعب في احتفالاته وتجمعاته بلباسهم الرسمي لحفظ النظام ومد يد المساعدة أو لأسماع الأناشيد الوطنية العذبة , فكانوا يحضرون الحفلات الخيرية في الاعياد والمواسم الاسلامية ويشاركون تلاميد المدارس العربية الحرة في احتفالات اخر السنة الدراسية ويقدمون العون والتأييد في كل تجمع للصالح العام
فأكتسبت الحركة الكشفية بذلك مكانة شعبية مرموقة وشهرة عامة على مستوى الوطن , وأصبحت من الحركات الوطنية الواعية التى أحبها الشعب وتعلق بها فتوجس المستعمر منها خفية ونصبوا لها العداء كما نصبوا الحركات التحررية الأخرى سواء كانت سياسية أو ثقافية أو دينية أو اجتماعية.
عانت الحركة أثناء الحرب العالمية الثانية الكثير من الازمات بعد بضعة أشهر من أنعقاد المؤتمر الكشفي في
نوفمبر 1939 اندلعت الحرب العالمية الثانية وتم تجنيد عام لعدة مسؤولين في الكشافة وتأثرت الأفواج الكشفية بهذه الوضعية فكانت على وشك الزوال وكذلك اتهام الفرنسيون للسيد محمد بوراس الرائد الاول للكشافة الاسلامية الجزائرية بالتشويش والتهريج فحكموا عليه وعلى اثنين من رفاقه بالاعدام بتهمة التواطؤ مع العدو , ونفذ فيهم الحكم في 27 ماي 1941 فكانوا شهداء الوطن في هذه الحرب وكانت هذه الواقعة ضربة قوية تتلقاه الحركة الكشفية الجزائرية من السلطة الفرنسية انتقاما وتشفيا من الأهالي الذين كانت ترى في عيونهم الشماتة بها والاحتقار لها , وكادت تكون هذه الواقعة الضربة القاضية للحركة الكشفية لولا لطف الله ورعايته وبعض المساعي الحميدة …
كانت حكومة فيشي العسكرية قد وحدة المنظمات الكشفية في مجلس وطني عام يشرف عليها لتسهيل مرالقبتها يضم القادة والامناء والمندوبين الوطنيين في كل من فرنسا والاقطار التابعة لها , اختير الجنرال لافونت لرئاسة هذا المجلس فوقع تحوير في الكشافة الاسلامية الجزائرية اقتضته ظروف الحرب آنذاك حفاظا على بقائها الى أن تنجلي الازمة وظروف الحرب فرضت على السلطات الفرنسية تهدأت الأوضاع في مستعمراتها فنشطت الحركات والمنظمات من جديد ومن بينها الكشافة الاسلامية الجزائرية انتظم في هذه الفترة أكبر تجمع تاريخي لها في تلمسان في جويلية من عام 1944 تحت شعار الاستقلال والحرية اشترك فيه حوالي 500 قائد من مختلف الأفواج والفرق في الوطن وحضرته شخصيات كثيرة خلال هذا التجمع ترددت الكثير من الأناشيد الوطنية والدينية مثل شعب الجزائر مسلم , بلادي بلادي , موطني , وكشاف هيا …. الخ
مع انتهاء الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء على قوات المحور ( الفاشية والنازية ) قامت احتفالات النصر والبهجة تبعتها مظاهرات ومسيرات شعبية سلمية هنا وهناك طالب فيها الجزائريون بالحرية والمساواة التامة جزاء ما قدموا من تضحيات أعقبتها حوادث اليمة شنها الفرنسيون عليهم مدنيون وعسكريون ذهب ضحيتها أكثر من 45 الف من خيرة الشباب الجزائري في خراطة وسطيف وفسنطينة وقالمة وغيرها في يومين أو ثلاثة وما قبلها من أعتقال وسجن وتشريد واسع لعامة الناس وخاصيتهم وتوقيف نشاط المنظمات وتعطيل كل الحركات الوطنية بما في ذلك المدارس الحرة والأحزاب والجمعيات الجزائرية حتى الخيرية منها … وكانت خسارة الكشافة الجزائرية فيها فادحة فقد أغتيل من خيرة رجالها نحو الخمسين وأوقفت حركتها وأغلقت نواديها ومحلاتها وسجن وعذب قادتها ومسيروها ونال بقيتهم ما نالهم من تعذيب وتغريم وتشريد .
بعد تلك الحوادث الأليمة التى تركت جروحا وآثار عميقة في نفوس الشعب … وبعد تدخل السلطات العليا في فرنسا لاصلاح الوضع المتدهور في الجزائر وارجاع المنفيين والمعتقليين من قادته وزعمائه ومسيريه وفك الحضر والحجز والحصار عن المنظمات والهيئات والأحزاب والمدارسوالجمعيات , بعد ذلك كله عادت الحياة مرة أخرى للحركة الكشفية كما عادت لغيرها ولكن بعد تصدع وحدتها وانقسام جامعتها الى جامعتين اثنين :
S m a اللكشافة الاسلامية الجزائرية
B s m a فتيان الكشافة الاسلامية الجزائرية
بسبب عوامل داخلية وخاريجية وبحسب اختلاف طبائع القادة والمسيرين وتباين وجهة نظرهم , ومما زاد الطين بلة تدخل السياسة الحزبية في الحركات الكشفية , وفي المدارس الحرة باعدت بيت الاخوة العاملين المتعاونيين المتحابين فصاروا متشاكسين متعاكسين وأصبحت جامعة كشفية منتمية لحزب من الاحزاب وجامعة للتعليم والتكشيف غبر منتمية لحزب كما وقع في المدارس مدارس حزبية ومدارس غير حزبية .
استمرت الجامعتان الكشفيتان تعمل كل واحدة على شاكلتها وتنافس الأخرى في أستقطاب الشباب حولها وبقطع النظر عن كيفية العمل ونتائجه في كل منها فقد أتسعت الحركة الكشفية في الجزائر وكادت تعم المدن والقرى والأرياف كما عمت وانتشرت في الجزائر كان لها وجود وذكر طيبة في المنظمات الكشفية العالمية التى حضرتها فقد شاركت في المهرجان المنظم من قبل الجامعة العالمية للشبيبة الديمقراطية ببراغ في جويلية 1947 وفي بامبوري السلم بمواسون في جويلية من نفس العام وفي الاجتماع العالمي للشباب بأيضاح في أوت 1948 وفي الجامبوري العربي بالقاهرة سنة 1953 ومخيم أل زيداني بسوريا في أوت 1954 وفي
مهرجان الشباب والطلاب العالمي بفرصوفيا سنة 1955 حيث رفع اسم الجزائرعاليا في الميادين الكشفية هذا غير الملتقيات والمخيمات والجولات آو الرحلات الدراسية بيننا وبين الاخوة الأشقاء الأقربين مغاربة وتونسيين .
ولما قامت ثورة التحرير في نوفمبر 1954 التحق بها الكشافيين وبقي من بقي بعضهم في صفوف جيش التحرير والبعض الاخر جبهة التحرير مجاهدين ومناضليين في الجبال والمدن ووجدت الثورة في الكشافيين خير العناصر الواعية المدربة على العمل والنظام والشعب بالروح الوطنية عن فهم واقتناع المدركة لكل أبعاد الثورة التحريرية فكونت منهم الجبهة والجيش خير الاطارات النضالية السياسية والعسكرية وأثبتوا جدارتهم في خدمة بلادهم بصدق واخلاص وتفان , سواء في الجبال أو الادغال أو في الاعمال الفدائية داخل المدن والقرى وغير ذلك من الاعمال الاجتماعية والاسعافية التى كانت تتطلبها الثورة في كل الميادين , وهكذا كان دور الكشافيين في المستوى المطلوب وكان منهم ميدان مثالية في الجهاد والنضال ّأمثال محمد العربي بن مهيدي وعمار رواق ولطفي وكثيرون غيرهم , استجابة للكشافة الاسلامية الجزائرية لنداء أول نوفمبر حيث توقفت كل منها امتثالا لأوامر جبهة التحرير الوطني بتوقيف جميع المنظمات والأحزاب الوطنية لتذوب في جبهة واحدة كل الهيئات والجمعيات الجزائرية