كان المرحوم الشيخ محمد توفيق الهبري ,وهو رجل أعمال وبر وصلاح (ولد سنة 1869 وتوفي 7/10/1954) يستضيف في جناح خاص أعده بجوار داره في عين المريسة ببيروت رجال الدين والعلماء والساسة وطلاب العلم من كل البلدان
ونزل في تلك المضافة سنة 1908 ثلاثة شبان أتوا إلى بيروت من الهند لتحصيل العلم في “الكلية السورية الإنجيلية” (الجامعة الأمريكية في بيروت) احدهم: محمد عبد الجبار خيري, وقد نادى الشيخ الهبري في تلك الحين مع نخبة من الرجال الأجلاء بتأسيس مدرسة علمية تربوية تكون نواة لجامعة إسلامية كبرى, وكان ذلك في 12(ابريل) نيسان سنة 1909 ميلادية, وسميت “دار العلوم” وعهد برئاستها إلى الأستاذ محمد عبد الجبار خيري
وفي سنة 1911 سافر عبد الجبار خيري إلى أوربا على نفقة “دار العلوم” للتخصص والإطلاع على أحدث ما وصل إليه الغرب في التربية والتعليم
أول فرقة كشفية:
وفي أثناء إقامته في لندن استرعت انتباهه نشأة الحركة الكشفية التي كان بادن باول قد أسسها في العام 1907 فاستهوته وأعجب بتعاليمها ومبادئها وحمل بذورها إلى بيروت عندما عاد إليها, وبتشجيع من مجلس أمناء” دار العلوم” أسس أول فرقة كشفية في المدرسة سنة 1912 باسم “الكشاف العثماني” لان البلاد آنذاك كانت تحت الحكم العثماني ,وتكونت الفرقة الأولى من خمس طلائع
واخذ عبد الجبار خيري يطبق التعاليم الكشفية التي حورها من “عهد الكشاف” و”شريعة الكشاف” بما يتناسب مع تعاليم الدين الحنيف, وجعل شارة الكشاف الكف المبسوطة بأصابعها الخمس (أركان الإسلام الخمس) بدلا من شارة الزنبقة, ويجعل للكف جناحين يدلان على الرفعة والسمو تتوسطهما كلمة” وأعود” إشارة إلى الآية الكريمة: واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل” وتحيط بالجناحين نجمتان ترمزان إلى الدنيا والآخرة ويتدلى منهما حبل معقود إشارة إلى قوله تعالى” واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ”
وتطورت الحركة الكشفية في “دار العلوم” ونمت وقامت فرقها برحلات إلى ضواحي بيروت وصيدا والجبل ودمشق واسطنبول
وفي شهر أيلول(سبتمبر) من سنة 1920 وبعد زوال الحرب العالمية , عادت الحركة الكشفية إلى الظهور على يد فريق من طلاب الجامعة الأمريكية في بيروت الذين تداعوا إلى ظل شجرة معروفة في الجامعة, وتداولوا في أمر الحركة وقرروا بعثها بتشجيع معنوي ودعم مادي من سعد الله العيتاني, وبالفعل كان قرارهم تاريخيا بالنسبة إلى الكشفية ومستقبلها في هذا المحيط من العالم, إذ نمت الحركة بعد ذلك وانتشرت في كل مناطق لبنان والعالم العربي
انتشار الحركة:
بدا هؤلاء الطلاب عملهم الرائد بتأسيس الفرقة الأولى باسم “الكشاف السوري” بدلا من “الكشاف العثماني” لان لبنان وسورية كانتا تشكلان دولة واحدة هي “سورية”
وذاع صيت الحركة في المعاهد العلمية, وانتشرت في الأندية الرياضية وصارت حديث المجالس والمجتمعات, كما انتشرت في المدن والقرى السورية وفي فلسطين وشرق الأردن والعراق, وانتخب مجلس عمدة برئاسة الشيخ محمد توفيق الهبري, واستعاض هؤلاء عن تسمية “الكشاف السوري” باسم” جمعية الكشاف المسلم” وانتخبوا محمد سعيد دبوس رئيسا عاملا للمقر العام(القيادة العامة)
وفي 29(يونيو) حزيران 1921 استصدرت جمعية الكشاف المسلم من حاكم دولة “لبنان الكبير” (ترابو) العلم والخبر رقم 322 الذي يجيز لها العمل “لتنمية فن الكشف وتقديم العون الأدبي والمادي لكل كشاف”
الاعتراف العالمي :
وفي سنة 1924 اعترف المؤتمر الكشفي العالمي المنعقد في (الدانمرك) بالحركة الكشفية في سورية ولبنان, وتم تسجيلها في المكتب الكشفي العالمي بلندن (انجلترا) وعين محي الدين النصولي مفوضا للمكتب الكشفي العالمي في سورية ولبنان
وفي عام 1928 انتقل علي عبد الكريم الدندشي من الفرقة العباسية في الكلية الإسلامية ببيروت إلى دمش حيث أسس مع فايز الدالاتي فرقة الغوطة, وهي أول فرقة كشفية للكشاف المسلم في سورية
وفي العام 1930 أقيم أول مخيم كشفي كبير في غابة الشبانية (لبنان) بقيادة مصطفى فتح الله واشتركت فيه فرق الكشاف المسلم من سورية ولبنان, وقد تقرر في هذا المخيم الاشتراك بالمؤتمر الكشفي العالمي في فيينا (النمسا) وحضور اجتماع الجوالة في كاند رشتاغ (سويسرا) عام 1931 وقد مثل الكشاف المسلم في هذين اللقائين عبد الله دبوس ومصطفى فتح الله وعبد الحميد عيتاني
بقلم الأستاذ/على الدندشي
يتبع