الكشافة بين التقليد والحداثة
(الجزء الأول)
ليس الهدف من هذا المقال عمل مسحا للكشافة في جميع البلدان وإنما مجرد طرح الموضوع وتسليط الضوء عليه، كذلك لن يقتصر حديثي عن الكشافة في المجموعات والأفواج الكشفية فقط وإنما أريد أن يتعدى ذلك ليشمل أجزاء أخرى من الهياكل التنظيمية للحركة الكشفية على الصعيد الإقليمي والعالمي.
بادئ ذي بدء إن الهدف من الكشافة هو “تنمية المواطنة الصالحة بين الفتيان من خلال تكوين شخصيتهم”، ومن هذا المنطلق فإن المواطن الصالح هو “الذي يفهم ويؤدي واجبه تجاه الله، وواجبه تجاه الآخرين (فرديًا وجماعيًا)، وواجبه تجاه نفسه”.
وكقادة في الكشافة يجب علينا أن نترجم هذا الهدف في النشاط الكشفي، وعلينا ربطه بشخصية الكشاف ومعرفة كيفية التصرف في كافة مجالات الحياة، لذلك عندما نخطط للأنشطة، فإن علينا١ تطبيق هذين المفهومين على جميع أفكارنا.
– كيف يتم تطبيق المواطنة والمبادئ في الفرقة؟
مع وضعنا هذه المفاهيم قيد التنفيذ، علينا أن لا نفرط بروح الأخوة الكشفية التي تنشأ بين أفراد الطليعة الواحدة، وأن لا نزرع فيهم هذه المفاهيم بطريقة الأمر والنهي، وإنما عن طريق التعلم بالممارسة ونحن قريبون منهم، فالطفل والفتى يكره العمل عندما يأتيه من سلطة عليا، وبالمقابل هم يعتمدون على الراشدين من منطلق الشعور بالأمن بوجودهم معهم وليس بتوجيههم بالأمر والنهي.
إن مسألة السلطة تؤثر على الطفل إلى حد لا يدركه معظم الناس، إن قدرته على إجراء التغيير في نفسه والمجتمع تعتمد كليا على أسس تكوين الشخصية في مرحلة الطفولة وما بعدها، لذلك يجب أخذ هذا في الاعتبار فيما يتعلق بالكشافة وتطبيق المناهج الكشفية في المجموعات.
– تطوير المناهج الكشفية:
علينا بذل جهد أكثر وعياً وتصميمًا لتطبيق المنهاج الكشفي من أجل تحقيق هذه الأهداف، وعلينا تقييم مدى فعالية بطاقات التقدم الشخصي ومواكبتها للتطور كل فترة، وفي الإقليم الكشفي العربي يكون هناك مراجعة جذرية للمناهج الكشفية كل 10 سنوات، وهذا معمول به من سنة 2000، وهي السنة التي تم اعتماد فيها المناهج المطورة، ثم صار تطوير جذري بعدها عام 2011 وتطوير أخير جديد عام 2021.
يجب علينا الاهتمام والتركيز والتدريب المباشر فيما يتعلق بالوعد والقانون، وعلينا بذل كل جهد لتقوية الشعور بالاحترام وتطبيق جميع المواد المتاحة في المناهج لتطوير جسم الفتى وعقله وروحه، صحيح أن الوقت المتاح لدينا قصير أثناء الأنشطة بالمقارنة مع تفاصيل حياة الفتى، لكن بالرغم من قصر هذا الوقت فإن هناك نتائج واضحة نلمسها نحن القادة من ملاحظات الوالدين.
– هل الكشافة تواكب الحداثة؟
في المؤتمر الكشفي الدولي التاسع في هولندا عام 1937، قدم المفوض الدولي للدنمارك “تاغي كارستنسن” ورقة بعنوان “هل الكشافة تواكب الحداثة؟” وتساءل: “ما الذي جذب الشباب في السنوات الأولى للكشافة، ليس فقط في إنجلترا، ولكن في كل مكان في العالم؟” وأجاب على سؤاله الخاص بـ “أعتقد أنه أولاً وقبل كل شيء أن حياة الطبيعة الحرة – وهي شبيهة بحياة رجل الغابة الأول البعيدة عن صخب المدينة – هي الأكثر جذبا في البرامج الكشفية”.
– نظام الطلائع ودوره في التطوير
ويتابع كارستنسن طرحه فيقول: “الشباب يريدون أن يحصلوا على تجربتهم الخاصة، لذلك في الكشافة علينا السماح للفتيان أنفسهم بالمضي قدمًا بمفردهم، وعلى القائد الجيد أن يترك مجال للفتيان ليرتكبون أخطاء، طالما هم بعيدون عن الخطر أو تعريض مصالح الآخرين للإصابة، وهذا هو المبدأ العام في نظام الطلائع، غالبًا ما يجد القائد المتمرس أن الكثير من العمل يتم ببطء وليس دائمًا بشكل جيد جدًا، عندما تقوم كل طليعة بذلك بشكل منفصل، وغالبًا ما يكون هناك إغراء بالنسبة له لتنظيم العمل، بشكل عام من خلال المركزية، لكن ذلك كل الحالات يعتبر خطأ”.
يقوم نظام الطلائع على تدريب الكشافة على مواجهة الصعوبات بابتسامة، وقد أظهرت التجارب أن ارتكاب الأخطأ لا يخيف الأولاد ولكنه يجذبهم.
تقع مسؤوليتنا كقادة بالحفاظ على أساسيات الحركة الكشفية تعريفا وهدفا وأغراض ومبادئ وطريقة.
لا ينبغي أن ننجر وراء التكنولوجيا الحديثة كغاية إنما هي وسيلة لتحقيق بعض البرامج، ويجب أن نبقي الكشفية على طبيعتها وبساطتها المعهودة والتي هي قريبة من فطرة الإنسان وتقديرات الله في الكون والحياة.
لذلك علينا أن ننكر كل من يستخدم الكشافة لطرح أفكاره التي يرغب في نشرها بعيدا عن المفاهيم الكشفية، فالألعاب التي تمارس في الغابات لا يجب أن تستبدل بالألعاب الإلكترونية.
ولقد وجدت كثير من المحاولات لتطوير الكشافة بهذه الطريقة، وقد فشلت تلك المحاولات، إن الطريق إلى نجاح الكشافة في الفرق هو من خلال وعد وقانون الكشافة، والأعمال الريادية، والمزيد من المخيمات الطبيعية وأنشطة الهواء الطلق، وليس من خلال الفخامة، أو الزيادة في التنظيم الذي يكون على حساب البرنامج وما إلى ذلك.
– أمور يجب مراعاتها عند تطوير البرنامج الكشفي:
هناك نقاط رئيسية أربعة يجب الحفاظ عليها خلال تطوير البرامج الكشفية على الفرق وهي:
1. اقتراحات الكشافة:
إن اقتراح الفرد يعني تطبيق لعبارة اللورد بادن باول أن “أفكار الفتى مطلوبة، ويتم تشجيعه على تثقيف نفسه بدلاً من توجيهه”، ايضا من الضروري اقتراح أفكار عليه، وإعطائه فرصة لتجربة الأشياء بنفسه ليكتشف ما هو مجال نشاطه وما هي ميوله، وتعتبر الشارات ذات قيمة حقيقية هنا كمصدر لاقتراح ما يجب القيام به وكحافز للوصول إلى مستوى الإنجاز.
2. عمل الطليعة
كما ذكرت يعتبر نظام الطلائع – وهو أحد عناصر الطريقة الكشفية – الأسلوب المعتمد في الكشفية، لكن هناك خطر في كثير من الأحيان من المبالغة في الجانب التنافسي فيه، حيث تكمن أهميته في تدريب الطلائع والجمع بين الخبرة والنشاط في تنفيذ البرنامج، وهي طريقة تمكن الكشاف من اكتساب المعرفة دون وعي وتشعره أنه يتقدم وأن الأمر يستحق بذل الكثير من الوقت، بالإضافة إلى تعزيز الانتماء من خلال اجتماعات الطلائع.
3. الألعاب
أيضا علينا أن لا نبالغ في طرح الألعاب، فبعض القادة يتصورون أنه كلما اجتمعت الفرقة فمن الضروري عمل سلسلة من الألعاب معًا من أجل تطوير الفرقة الكشفية التي نحن مسؤولون عنها، لكن تعتبر هذه الرؤية خاطئة، إن الألعاب مفيدة لتوضيح معلومة أو ممارسة نشاط كشفي معين أو لتحفيز النمو العقلي أو البدني، ولكن لا يجب الفصل بينها وبين البرنامج الكشفي بمعنى أنها جزء من البرنامج وموائم لمعنى النشاط وليس مستقلة عن البرنامج.
4. نسج الخيال
تم تأسيس الكشافة بناء على سلسلة من القصص لجذب اهتمام الكشاف وتوسيع خياله، وهذا ما نلاحظه في عمل اللورد بادن باول في كتابه “الكشفية للفتيان” الذي أوضح فيه معالم الحركة الكشفية، على سبيل المثال إن طرح قصة عن التتبع وتقفي الأثر يجعل الجو مناسب لممارسة التتبع، كذلك يمكن استخدام القصص والخيال كأساس لبعض الأعمال الممتعة أو الأنشطة مثل حفل السمر على سبيل المثال، وهذا ما عمله اللورد بادن باول أيضا في كتابه الذي عنوانه “حكايا للفتيان رويت حول نار السمر”، حيث تحدث عن بعض القصص الذي كان يرويها لفتيانه منذ مخيم براونسي إلى تاريخ نشر الكتاب عام 1909، كما تخلل الكتاب مقالات أخرى كانت عبارة عن تلميحات للقادة.
طبعا لا يعني ذكر هذه الطرق الأربعة الرئيسية التي يمكن من خلالها تطبيق الكشافة على الفرق، أنه لا يوجد طرق أخرى، وإنما يجب أن تضع في اعتبارك حقيقة أن الكشافة يمكن وضعها في العديد من الطرق، وأنه مطلوب التنويع في الطرح قدر المستطاع، ولكن علينا أن نتجنب خطرين رئيسيين: 1. المبالغة في طريقة معينة وإهمال الطرق الأخرى مما يؤدي إلى النتيجة الحتمية المتمثلة في أن الكشافة يشعرون بالملل واللامبالاة.
2. الميل إلى تحويل الكشافة إلى عمل جاد أكثر من اللازم، حيث يحذر اللورد بادن باول دائمًا من ذلك، إذا كانت الكشافة تفتقر إلى المرح فإنها ستفتقر إلى الحياة، ويجب أن هناك أوقات لقضاء أوقات ممتعة في الأنشطة الكشفية.
وعلى الرغم من أن الحماس قد يفوق في بعض الأحيان تقديرتنا، إلا أن هذا أفضل بكثير من تقييد الحماس بمبدأ “السلامة أولاً”، يجب أن تمكن الكشافة الفتى من التصرف في أي حالة طارئة تواجهه لكن ذلك لا يعني إلغاء طابع المغامرة منها.
نشر اللورد بادن باول كتابه التجوال نحو النجاح عام 1922، ووجهه إلى مرحلة الجوالة التي كانت حديثة التأسيس أنذاك.
– تطوير الجوالة
خلال السنوات القليلة الماضية كان الاتجاه في مناهج الجوالة هو استخدام الأنشطة الكشفية على مستوى متقدم من أجل مواصلة التدريب والحفاظ على اهتمام مع تقدم الكشاف في العمر، ورهط الجوالة الناجح هو الذي يعمل بجد في الأنشطة الكشفية وفي تقديم الخدمات.
لكني أرى أنه يجب التوسع في المفاهيم الكشفية بشكل أكبر خاصة إذا علمنا أن مرحلة الجوالة هي سن الشباب وهي المرحلة الحاضة للقيادات الكشفية.
– التقدم في المبادئ الكشفية عند الجوالة:
1. الواجب نحو الله:
لنعود إلى تعريف المواطن الصالح الذي بدأت به البحث في الجزء الأول، إن الواجب نحو الله في الجوالة يتطلب البحث عن الحقيقة وتطوير المعرفة بالله وتحويلها إلى سلوكا في الحياة.
يساعد الوعد والقانون كثيرا في ذلك، لكنهما ليسا كافيين في حد ذاتهما، في مرحلة الجوالة يصبح الكشاف كبيرا بما يكفي لإثبات شخصيته من خلال أفعاله وما يؤمن به ويعتقده.
2. الواجب نحو الآخرين:
كما يستلزم واجب الجوال تجاه الآخرين أن يكون لديه اهتمام ذكي ومدروس في جميع الموضوعات التي تهم المجتمع، وخاصة في محيطه المباشر.
3. الواجب نحو الذات:
كذلك على الجوال أن يطور من نفسه ومن معارفه، ويساعد منهاج الجوالة في تزويده بوسائل اكتساب هذه المعارف، ولكن ذلك يجب أن ينعكس على حياته في تطوير مهاراته وسلوكه حتى يصبح اتجاها، فالجوال لا يمكنه تقديم الخدمة قبل أن يدرب نفسه لهذا الغرض، وعليه الاعتناء بروحه وعقله وجسده، وهو المسؤول عن ذلك وليس أي شخص آخر.
– تطوير منهاج الجوالة
إن هذه مراعاة هذه التغييرات للصغيرة في التفاصيل في منهاج الشبل والكشاف والكشاف المتقدم والجوال، مطلوب للتطوير، فمثلا لا يمكننا طرح بعض الشارات التي لم تعد موجودة في عالم الواقع، مثل هاوي الآلة الكاتبة كمثال في نظام الشارات.
فالتغيير ليس من أجل التغيير، ولكن عندما نقترح التغيير علينا أن نناقش ما الهدف من هذه التغييرات، وعلينا أن نأخذ دائما في الاعتبار أن التغيير يجب أن يكون من وجهة نظر وهدف الكشفية من حيث تدريب الفرد وتطوير الشخصية، ومن وجهة نظر المبادئ والطريقة الكشفية.
نحن نريد الكشافة أن يضعوا أنفسهم في مواجهة التحديات وأن يتغلبوا عليها، نريدهم أن يكونوا متوازنين في الجسد والعقل والروح، وأن يكونوا مستعدين للتصرف عندما تتطلب المناسبة ذلك، وأن يطوروا أنفسهم فالرجال أقوياء يصلح بهم البلد.
وكل ذلك يتطلب منا كقيادات ضبطا لأنفسنا لضمان العمل الجاد، وأن نعمل بجد لتدريب الآخرين على التصرف، يجب أن نكون مستعدين للعمل، إذا كانت الكشافة ستستمر اليوم وتستمر في مساعدة الفتية والشباب من الجنسين، يجب أن نكون جميعا ككشافة مستعدين لاتباع القيادة وتطويرها على الطريقة الكشفية الذي خطها مؤسس الحركة الكشفية اللورد روبرت بادن باول.